شكوى صديق وظاهرة الفتور الايمانى

الحمد لله  نحمده سبحانه  ونستعينه ونستهديه . نتوب إليه ونتوكل عليه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا الاه إلا الله وحده لاشريك له أخبرنا  بأهمية خشوع الصلاة فقال تعالى عن أول صفات المؤمنين فقال تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون ) وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وخيرته من أوليائه وخليله بلغ الرسالة تامة وأدى الأمانة كاملة وجاهد فى سبيل مرضات ربه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيرا  أما بعد. 

فقد قابله زميله عمرو في محل عملهما  قبل بداية دوام  العمل ولاحظ عليه ضيق ظاهر فى قسمات وجهه فألقى عليه السلام وقال له مداعبا استر يارب ياترى صاحبي مقفل ليه النهارده ماذا جرى ؟ هل هناك مشاكل خاصة لاتريد الكلام عنها مع أحد فأعفيك عن الرد ؟ ففاجأه الصديق المهموم بقوله لا مشاكل خاصة ولا عامة يأخى , إنها صلاتي ! سمعها عمرو  في ذهول ,وقال له صلاتك ! لا دانتا حكايتك حكاية  يلا  بينا الأول نوقع فى الحضور ونستلم شغلنا وفى الراحة نكمل كلامنا .  

وعندما جلس عمرو مع زميله لتناول مشروب فى الراحة بادره بقوله يا راجل  هل الصلاة ركن الدين الرئيسي صارت مشكلة ؟ دا النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عنها (أرحنا بها يابلال ) وهنا قال الصديق المهموم : بس  انتظر هنا ! حطيت أيدك على الجرح  وهى دى مشكلتي مع صلاتي يا عمرو اتفضل قولى حلها , نعم ياعمرو أنا بصلى لأن الصلاة زى ما قلت ركن الدين ولكن كعمل روتيني متكرر ولا أشعر في أغلبها بتلك الراحة النفسية المذكورة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم والتي يشعر بها الكثير من أصحابنا كما يقولون وبصراحة كأني أصليها لأرتاح منها  وليس فيها وبها وبصراحة نفس الحال أيضا أجده مع القرآن عند الاستماع إليه أو قراءته في أغلب الأوقات  ما الحل ياعمرو  ؟  وهنا تنهد عمرو قائلا : هي بالفعل مشكلة يا صديقى الطيب ولكنها – كما عانيت منها من قبل وغيري من الأصدقاء – في الأصل  مشكلة إيمانية , ولها علاقة وثيقة بحالة القلب .

وهنا قال الصديق الحزين الإيمان والقلب !  ما العلاقة بين حالتي وذلك ؟ انتهى وقت الراحة  فقال له عمرو ان شاء الله نكمل الحوار بعد وقت الدوام . وكانت التكملة للحوار مساءا فى منزل عمرو الذي دعاه لاستكمال الحوار وبعد تناول العشاء  وصلاة العشاء بدأ عمرو الحديث وقال : يا صديقى العزيز نعم هناك علاقة بين قلبك ومشكلتك ,  فالقلب فينا يا صديقى كموتور أي ماكينة أو سيارة أو جهاز كهربي يحرك جميع الأجزاء للقيام بوظيفتها  ولكن عندما تصل إليه شحنة الطاقة الكهربية من مصدرها.

وكذلك الحال  لقلوبنا في أبداننا فهي التي تحرك جوارحنا بإذن الله بمقتضى ما يصل اليها طاقة أيمانية كانت أو مادية فالوحي المعصوم من كتاب الله وكلماته التامات  وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة هو وحده الشحنة والطاقة الإيمانية وعندما يكون هو الطاقة التي تصل إلى القلب تكون حركة الجوارح فينا بوظيفتها في طاعة الله  وعند فقده لهذه الطاقة الإيمانية الربانية تصل إليه الأخرى المادية الحيوانية ومن ثم تكون حركة الجوارح مع متطلبات الشهوة واستجابة لدعوة العدوين الرئيسيين لنا وأعنى بهما الشيطان والهوى وتوجد بينهما حالة التردد والمغالبة بين هذا وذاك , والشاهد على ذلك ما جاء فى نهاية حديث النعمان بن بشير الذي رواه الإمام البخاري في الصحيح  (ألا وان فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب )  وبالطبع  قدر الله تعالى فى خلقه لحكمة الابتلاء وهو مقصد الحياة الدنيا وجود عوامل تؤثر بالإيجاب وأخرى تؤثر بالسلب بقدر الله الشرعي (وليس الكوني )  على استمرار هذه الشحنة الإيمانية بالقلب أو انقطاعها  وكذلك قوتها أو ضعفها – وهنا استوقفه الصديق المنتبه بجدية إلى كلام عمرو قائلا : لحظة يا عمرو قبل ما تكمل هل هناك فرق بين القدر الشرعي والكوني ؟ جاوبني وبعد كده كمل .

(فقال عمرو لصديقه ماشى ياسيدى , القدر الشرعي هو ما يقدره الله  وشاء أن يمكن المكلف من اختياره أو تغييره أى يكون  دائرة التكليف وحرية ارادة المكلف وقدرته ومن ثم يحاسب عليه الإنسان ثوابا أو عقابا نظرا لاستطاعته تغييره ودفعه بالقدر أيضا مثل كونه مؤمن أو كافر, مسلم بار أو مسلم فاجر  بالطبع يجازى الإنسان في الدنيا والآخرة  ثوابا أو عقابا مثلا يحاسب على كفره ومعصيته نظرا لتوفر إرادته وقدرته على دفع الكفر بالإيمان والمعصية بالطاعة .

ومثل قدر بلاء الداء  يدفع بقدر الدواء كما قال رسول الله فى الحديث الصحيح (ان الله لم ينزل داء إلا ,انزل له دواء ) وعبارة الفاروق الخالدة لأمين الأمة رضي الله عنهما عندما قرر العودة من طريقه إلى الشام لما  سمع بطاعون عمواس بالشام وقال له أبو عبيدة عندئذ  يا أمير المؤمنين أتفر من قدر الله ؟  ( نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله ) وكذلك النصر لجند الحق في ميادين الجهاد أو الهزيمة أو تقدم الأمة ونهضتها أو تأخرها وانكسارها فلذلك أسباب هي من قدر الله  كل ما ذكر من أمثلة القدر الشرعي أما القدر الكوني فلا دخل فيه للإنسان ولاقدرة له على تغييره  ومن ثم فلا يحاسب عليه ثوابا أو عقابا  مثل كيفية خلق الكون عدد السماوات ولون السماء الدنيا ومكان الشمس والقمر من الأرض وكيفية حركتها بل وخلق الإنسان وأجهزة بدنه  ولونه وطوله  ومنه عجزه والعاهات التي قد تكون فيه بقدر الله إلى غير ذلك.

فعبر الصديق لعمرو عن شكره للإجابة ثم قال له معلش يا عمرو قاطعتك بهذا السؤال  وعطلتك شوية عن تكملة حديثك المهم عن الايمان والقلب وتقريبا كده حالتي من القدر الشرعي ! فلتكمل مشكورا  فقال عمرو ولايهمك ياصديقى ما عطلتنيش ولا حاجة هيا بنا نكمل حديثنا معا عن حقيقة الإيمان ) قال عمرو:ياصديقى بسبب هذه العلاقة بين نوع قدر الشحنة أو الطاقة والقلب كانت من خصائص الإيمان في القلوب الزيادة والنقصان ,  فالإيمان كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة يزيد وينقص فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية  وما الطاعة يا صديقي إلا عملية شحن ايمانى بالوحي للقلب وما المعصية إلا عملية قطع لتيار الشحن لتعطيله  أو تغييره والشاهد على تلك الزيادة من كتاب الله عديد كما روى الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام فى كتاب الإيمان له بسنده قال : قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِرَجُلٍ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً يَعْنِي: نَذْكُرُ اللَّهَ . وَبِهَذَا الْقَوْلِ (زيادة الإيمان ونقصانه ) كَانَ يَأْخُذُ سُفْيَانُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , يَرَوْنَ أَعْمَالَ الْبِرِّ جَمِيعًا مِنَ الِازْدِيَادِ فِي الْإِسْلَامِ (الإيمان ) , لِأَنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْهُ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ ,منها  قَوْلُهُ {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] مِنْهُ قَوْلُهُ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] , وَقَوْلُهُ {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] ا ه  ومن الشواهد الثابتة الصريحة  أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل للصحابي الشهيد حنظلة بن عامر فى قصته معه وحديثه (ولكن ياحنظلة ساعة وساعة )  ودليل النقصان ما جاء في الحديث الصحيح ( لايزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( والله لايؤمن  قيل من يارسول الله قال من لم يأمن جاره بوائقه  )وقوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) 

ومارواه البخارى رحمه الله بسنده  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ” وروى رحمه الله بسنده عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ» قَالَ رحمه الله مشيرا الى سند آخر للحديث : قَالَ أَبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ إِيمَانٍ» مَكَانَ «مِنْ خَيْرٍ- وروى مسلم رحمه الله فى كتاب الإيمان باب نقصان الإيمان وزيادته  بسنده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: ” أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ “

 , وبعد ملاحظته انتباه صديقه -الذي كان مهموما – لما يتذاكره من حديث حول حقيقة الإيمان  معه استمر عمروا فى حديثه مع صاحبه قائلا : أتفهم سبب قلقك يا صديقي  فالصلاة من الإيمان كما قال الله تعالى عنها فى سورة البقرة فى نهاية الآية الأولى  من الجزء الثاني حيث قصة تحويل القبلة ( وما كان الله ليضع إيمانكم ان الله بالناس لرءوف رحيم ) وللأيمان آثاره الطيبة فى الدنيا قبل الآخرة ومنها الشعور بالراحة والحياة الطيبة كما قال تعالى فى سورة النحل (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) قال ابن كثير رحمه الله (بتصرف ) وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وفسرها بعض السلف الصالح بالرزق الحلال والبعض بالسعادة  والبعض بالقناعة والرضا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ. وواصل عمرو كلامه مع صديقه قائلا : ومن هنا أعذرك لهمك  فعدم الشعور براحتك في صلاتك دليل على نقص الإيمان  والواجب سرعة علاج ذلك لكشف همك عنك  كل ذلك صحيح

ولكن يا صاحبي العزيز هناك أمر من المهم استحضاره فى لحظتنا هذه وهو أنى قد اطمأننت عليك ! وهنا نظر هذا الصديق إلى صاحبه الوفي عمرو نظرة تعجب قائلا وكيف اطمأننت على , وحالتي – كما فهمت من شرحك الآن عن حقيقة الإيمان –  لا تسر عدو ولا حبيب ؟  يا عمرو  إنها حالة نقص واضح لايمانى . فقال عمرو يا صديقي الطيب شعورك بالهم قلقا على حالتك تلك ومن ثم عدم الرضا بحالة النقص هذه وهذا الهم دليل على أن هناك أمل فمازال أصل الإيمان في قلبك  وهذا هو وجه طمأنينتي على صديقي وهذا الاطمئنان لايعنى عدم البحث عن العلاج لتلك المشكلة ولكن لابد من حل لكشف هذا الغم وعلاج داء الفتور الايمانى هذا  , فالشيطان ومن ورائه الهوى وهو النفس عندما نترك لها العنان فتكون أمارة بالسوء لايقنعا مستوى ما من النقصان للإيمان فدعوتهما مستمرة لمزيد من السقوط والنقصان وذلك منتظر منهما .

انه الصراع الدائم بديمومة الحياة  وتكون العدة لنا فى هذا الصراع بإيجاز  في الافتقار إلى الله ومحبته ومن ثم التقرب إليه بالعبادات المشرعة بمحبة واستمرار مجاهدة النفس على ذلك  ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية قال (العارف يسير الى الله بين مشاهدين مشاهدة المنة ومشاهدة عيوب النفس والتقصير ) فبالأولى أي مشاهدة منن الله على العبد وهى كثيرة تتولد محبته لمولاه وبها تكون سعادته وبالثانية يتولد الذل لله والخضوع له وهل العبادة فى حقيقتها من  صلاة كانت أو غيرها من الطاعات والقربات  إلا الحب لله المصحوب بالخضوع والامتثال لأوامره جل وعلا ووسيلة ذلك العملية –التي أختارها لنفسي وإياك صديقي العزيز – بالتفكر في خلق الله (وحى الله المنظور ) والتدبر بدوام القراءة لوحي الله المسطور وأعنى به القرآن الكريم فهو عين الشفاء كما قال تعالى فى سورة الإسراء  (وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين الا خسارا )

وقال تعالى  فى سورة فصلت (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)وهو حياة القلوب قال تعالى في سورة الأنعام( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) ورأس الذكر الذى قال فيه رسول الله فى الحديث الصحيح (مثل الذى يذكر ربه والذي لايذكره كمثل الحي والميت ) ولهذه الأهمية أمر الله به عباده المؤمنين فقال تعالى فى سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) فلابد إذن ياصديقى من الورد اليومي لتلاوة القرآن الكريم مع الاجتهاد فى التدبر كما قال تعالى (أفلايتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) وقال تعالى في آيات عدة من سورة القمر (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) وكذلك لابد من الذكر المأثور فى الأحوال المتنوعة خاصة طرفى النهار.

وتدبر معي في قوله تعالى بسورة آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)

وبالنسبة لعين شكواك  نأتي أخي الى الواجب التالي وترتيبه ثالثا :

لابد يا صاحبي من المجاهدة  فى الصلاة نحو الخشوع الواجب فيها بحضور القلب فى قراءتها وركوعها وسجودها والتدبر والحرص على حضور جماعتها بالمساجد ما أمكن وتعظيم قدرها في القلب عند الشروع فيها .

أخي الحبيب هذه بين يديك ثلاثة من الأدوية النافعة بإذن الله لحالتك فخذها بقوة  ونحن مثلك معك فى حاجة شديدة اليها. وهيا معا لندفع القدر بالقدر نعم هيا لنعالج ظاهرة الفتور الايمانى تلك بما يناسبها من الطاعات المشروعة وفى نفس الوقت بالطبع اجتناب المعاصي ما أمكن بالفرار منها والإزالة الدورية لآثارها السلبية على سلامة القلب وصلاحيتها لاستقبال الطاقة الإيمانية ومن ثم قيادة الجوارح نحو مرضات الله بالتوبة . ولما ذكر من القدر الدافع للفتور تفصيل  ليس هذا موضعه لعلك تجده فى الباب الثاني من كتاب (على طريق التزكية ) من الممكن لك تحميله من مكتبة هذا  الموقع  وكذلك المسألة الأخيرة الخاصة بالخشوع فى الصلاة بالجزء الأول من الوجيز الفقهي . شرح الله صدرك ياصديقى للعمل به والمطالعة فيه وبالله التوفيق .

Scroll to Top