حمدا لله وصلاة وسلاما على قدوتنا وقائدنا في مسيرنا على طريقنا إلى الله سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه وبعد فإليكم جميعا في امتحانكم –أحبتي في الله – هذه الكلمات المجملات في نقاط أربع حول هذا الامتحان كسمة لازمة لمسيرنا الى الله تذكرة لي ولكم أيها الرجال.
أولا : الإيمان ليس مجرد دعوى أو كلمة تقال بل هو عقيدة وعمل نعم فهو حقيقة ذات تكاليف وبذل جهد وجهاد يحتاج إلى احتمال و صبر ولابد من ابتلاء المدعين لهذه الدعوى حتى تستقر في قلوبهم تلك الحقيقة وتتحقق لهم ثقتهم فيها وأنفسهم وهذا الابتلاء من قدر الله كان لمشيئته, وسنة من سنن الله في خلقه ثابتة كما قال تعالى في سورة العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) وقال تعالى في سورة آل عمران (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ومن تقدير الله الحكيم الخبير لهذه السنة أن يكون ابتلاؤه لعبده ووليه في حدود طاقته فلا يبتليه الى بما يطيق في علمه سبحانه عنه وأنت مأمورون من الله بالصبر على بلائه ومن قواعد أصول شريعتنا أنه لا تكليف بغير مقدور لقوله تعالى (لايكلف الله نفسا إلا وسعها ) فأبشروا لاختيار الله لكم في هذا الامتحان في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها أمتكم الحبيبة فلا تبالوا إذن بطول المدة أو العنصرية البغيضة في التعامل معكم فأنتم على عين الله لها أيها الأسود.
ثانيا : الصبر نصف الإيمان كما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم , والصبر الجميل جزاؤه الثواب الجزيل من الله الغفور الشكور الحليم الجليل القائل في محكم التنزيل (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )والقائل سبحانه في سورة آل عمران (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)) فمهما كانت معاناة الدنيا فإنها متاع زائل كما قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون بسورة غافر (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40))وقال تعالى في سورة الأنعام (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ونتذكر دائما قوله تعالى (من عمل صالحا فلنفسه )وفى معناها قال تعالى في سورة العنكبوت عقب حديثه سبحانه عن سنة الابتلاء (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) ولنا النظر متأملين في الجزاء الأخروي الذى وعد الله به من أشتد بلاؤه في الدنيا من عباده الشهداء ومنهم شهداء الآخرة الذين ورد ذكرهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعنى بهم (المبطون – ومن في حكمه كمن مات بالسرطان وغيره – والغريق والحريق وصاحب الهدم والمرأة تموت بجمع ( في نفاس الولادة ) نعم فعلى قدر البلاء يكون الجزاء للصابرين تقبل الله منكم جميعا .
ثالثا : خاب ظن الظالمين سواء كان في تحقيق إرادتهم – بزعمهم في المظلومين أو في نجاتهم من عقاب الله في الدنيا والآخرة , كما قال تعالى (ولو شاء ربك ما فعلوه ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه الثابت (ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ) وقال تعالى في سورة إبراهيم (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) وقال تعالى في آية العنكبوت (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) وفى قصص الأنبياء وسيرة المصطفى بل وتاريخ الأمة المجيد مئات المواقف والعبر ومثال من كل يكفى لنتساءل في مثالنا الأول ماذا حدث لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام ؟ وفى الثاني عن سيدنا بلال رضي الله عنه ما هو شعور من حضر تعذيبه في رمضاء مكة الحارقة وهم يرونه فوق الكعبة مؤذنا يوم الفتح؟
رابعا : من الإيمان, اليقين في نصر الله لأوليائه فوعد الله حق وهو القائل سبحانه في سورة غافر(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وهو القادر القاهر فوق عباده أمره بين الكاف والنون كما قال سبحانه في آخر يس (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) وقال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) ولكن لا يستعجله أحد من خلقه فالأمر أمره وهو الحكيم الخبير كما قال سبحانه في سورة غافر أيضا (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وأخيرا نتذكر أن السعادة الحقيقية في الأنس بالله والعمل الصالح كما وعد الله في آية سورة النحل بقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) وقوله تعالى في سورة الرعد (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29). جمع الله شملنا جميعا وأحبابنا صابرين شاكرين تائبين الى قرة أعيننا الله العظيم رب العالمين .