الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وإمام الخاشعين المتقين سيدنا محمد القائل فيما ثبت عنه (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وعلى آلة الطيبين الطاهرين وصحابته البررة المجاهدين فى سبيل الله ونصرة الدين ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين أما بعد
أيها المسلمون هنا في محراب الصلاة جنة المؤمنين فحي على الصلاة حي الفلاح، وهل هناك فلاح فوق غذاء القلب الإيماني ومن ثم صلاحه وحياته الطيبة؟ خاصة ان كان في صلاتنا خشوع قال تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) ومن المعلوم ضرورة ان حضور القلب لازم لوجود تلك السعادة القلبية والحياة الطيبة في الصلاة، بل وهذا الخشوع الذي قال بوجوبه أئمة بالأمة فانتبه إلى أهمية وضرورة هذا الحضور وهو اللازم المقصود بهذا المقال فما هي تلك الخطوات العملية له؟ هي فيه أربع خطوات والله المستعان.
الخطوة الأولى: ذكر الله وهو كما نؤمن مادة حياة القلب الذي نريد حضوره لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت) ومن هنا كان أمر الله الرحيم بعباده ووصيته به في سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) وهذا مطلوب للحياة على وجه العموم وكخطوة تمهيدية للصلاة خصوصا ومن الذكر:
- عند النوم والاستيقاظ منه: روى البخاري رحمه الله بسنده عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول (اللهم باسمك أموت وأحيا). وإذا استيقظ قال (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) وروى رحمه الله عن أبى هريرة رضي الله عنه وإذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره –وهذا بين يدي صلاة الفجر خاصة وأما غيرها من الصلوات فالمقصود
- الأذان: وفيه روى مسلم رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ”
3-وبالطبع لا ننسى الوضوء وذكره وذكر الخروج من البيت إلى المسجد لصلاة الجماعة ومن ثم دخوله وما لهذه الأذكار المأثورة لها من دور ملموس فى التهيئة الإيمانية للصلاة ومما صح من الأحاديث فيما ذكر-بضم المعجمة- ما يلي:
كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ عند دخول الخلاء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» – قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» وثبت عنه قوله صلى الله عليه وسلم عند خروجه الى المسجد «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا،وعندَ دخولِ المسجِدِ وعند الخروجِ منه: يقول: «بِسمِ اللهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ» وإذا خرَجَ قالَ: «بِسمِ اللهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»
– الخطوة الثانية: القيام بهمة إلى الصلاة. وهذا مهم لحضور القلب وتكون باستشعار جلال الموقف بين يدي الله بمشاهدة قلبه لمنن الله وتقصيره فى جنب الله ومن ثم يقوم إلى الصلاة بين المحبة والخضوع وبالطبع الخوف والرجاء وما أشرفها من راحة للقلب في ظلال الحب لله.
وتدبر وصف الله للمنافقين في كتابه الكريم بقوله تعالى ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) فالكسل عند القيام إلى الصلاة مصيبة ما لم يكن سببه الأساس هو الإجهاد والتعب البدني ولذا وجدنا قدوتنا صلى الله عليه وسلم وهو من هو يستعيذ بالله من الكسل فى أكثر من حديث فان لم يكن الكسول عند قيامه الى الصلاة مجهدا بدنيا كان مجهدا قلبيا ولابد له من عمل مع قلبه للعلاج . وفيه قال الإمام الغزالي رحمه الله : فَاعْلَمْ أَنَّ حُضُورَ الْقَلْبِ سَبَبُهُ الْهِمَّةُ، فَإِنَّ قَلْبَكَ تَابِعٌ لِهِمَّتِكَ فَلَا يَحْضُرُ إِلَّا فِيمَا يُهِمُّكَ، وَمَهْمَا أَهَمَّكَ أَمْرٌ حَضَرَ الْقَلْبُ فِيهِ شَاءَ أَمْ أَبَى فَهُوَ مَجْبُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُسَخَّرٌ فِيهِ، وَالْقَلْبُ إِذَا لَمْ يَحْضُرْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّلًا بَلْ جَائِلًا فِيمَا الْهِمَّةُ مَصْرُوفَةٌ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، فَلَا حِيلَةَ وَلَا عِلَاجَ لِإِحْضَارِ الْقَلْبِ إِلَّا بِصَرْفِ الْهِمَّةِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَالْهِمَّةُ لَا تَنْصَرِفُ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مَنُوطٌ بِهَا، وَذَلِكَ هُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّصْدِيقُ بِأَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَنَّ الصَّلَاةَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا.- وللصالحين أحوال في ذلك الحضور للهمة تجدها مقيدة ومفيدة في كتب الرقائق يحسن الرجوع إليها تذكرة للنفوس واستنهاضا للهمم وبالله التوفيق.
الخطوة الثالثة: دخول الصلاة واستفتاحها.
وهي في الصلاة نفسها وتبدأ بصدق حالك مع قولك الله أكبر فهي ركنها الأول فلا يكذبن لسان الحال لسان المقال منك ويسمى ذلك القول تكبيرة الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ولأهمية الخطوة الرابعة لبقية الأركان اعتبارا من الركن الثاني كانت التهيئة الخاصة وأعنى بها دعاء الاستفتاح.
ومن أشهر صيغه م(سُبْحَانَكَ مسلم بسنده عن أبى هريرة قال : كان الرسول صلى الله عليه و سلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاته – قال أحسبه قال هنية – فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال ( أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ) ومنه ما رواه الترمذي وأبو داود رحمهما الله تعالى وصححه الألباني رحمه الله عن عائشة وأبى سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في استفتاحه للصلاة ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ، وتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ )
– الخطوة الرابعة: التدبر في قراءة الصلاة
قال الزجاج رحمه الله: معنى تدَبَرتُ الشيءَ، نظرتُ في عَاقبته. والتدبر في قراءة الصلاة التأمل في معاني الآيات وتأمل ما رواه الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة قال فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عبدي نِصْفَيْنِ ولعبدي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حمدني عبدي وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عبدي. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مجدني عبدي فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). قَالَ هَذَا بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ). قَالَ هَذَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ».
وفى أهمية هذا التأمل ووسيلته قال صاحب الإحياء رحمه الله : فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا يَشْغَلُكَ عَنْ فَهْمِ مَعَانِي قِرَاءَتِكَ فَهُوَ وَسْوَاسٌ، فَإِنَّ حَرَكَةَ اللِّسَانِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، بَلِ الْمَقْصُودُ مَعَانِيهَا، فَإِذَا قُلْتَ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَانْوِ بِهِ التَّبَرُّكَ لِابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ لِكَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ومع التبرك الاستعانة وَافْهَمْ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِذَا كَانَتِ الْأُمُورُ بِهِ تَعَالَى فَلَا جَرَمَ كَانَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشُّكْرَ لِلَّهِ إِذِ النِّعَمُ مِنَ اللَّهِ وحده مع استشعار كماله جل وعلا بصفات كماله وجلاله وأسمائه وكلها حسنى المتضمنة في اسم الجلال الله وهكذا يكون التدبر في بقية آيات السورة الكريمة. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْهَمَ مَا تَقْرَؤُهُ مِنَ السُّوَرِ فَلَا تَغْفُلْ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِ أَنْبِيَائِهِ وَذِكْرِ مِنَّتِهِ وَإِحْسَانِهِ.
واعلم – أيها المسلم الحبيب أن حضور القلب فى الصلاة لازم أيضا للخشوع الواجب فيها والخشوع فى الصلاة سبيل تحقيق مقصدها التشريعي وانظر في ذلك إلى هذين الحديثين الصحيحين فقد روى الإمام مسلم بسنده عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفارة من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كلّه» تأمل فى قوله صلى الله عليه وسلم :وخشوعها وروى الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كلّ يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء»؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» شرح الله صدورنا ووفقنا الى الهدى والسداد وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما مزيدا .