الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة . – وأشهد أن لا الاه إلا الله وحده لا شريك له رضي لنا الإسلام دينا فأكمل به للناس –حتى قيام الساعة – شريعته , وأتم به علينا نعمته وجعلنا بفضله من خير أمة, ما جعل علينا فى ديننا من حرج وكما قال سبحانه (يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ) , وأشهد أن سيدنا محمدا عبدالله المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله الخاتم إلى الإنس والجان المرتضى , أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدَيْنِ الْحَقِّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًّا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا،ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما رحمة بأمته فبلغ الرسالة كاملة وبينها تامة وجاهد في سبيل مرضات ربه حتى أتاه اليقين فاللهم صلى على سيدنا محمد وآله وصحابته وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فعندما نتحدث معا هنا عن ترويض النفس وترويحها نعنى بذلك الحديث عن الرياضة في الإسلام نريد بها رياضة النفوس ورياضة الأبدان وكلاهما مطلوب مرغوب ومن المعلوم أن رياضة النفس بمعنى ترويضها لطاعة الله وإتباع الهدى من الفروض المتعينة للنجاة من الهوى , فالنفس البشرية حاملة أمانة التكليف قدرا لله بطبيعتها لا بد لها من متبوع فى هذه الحياة الدنيا. ان لم يكن الهدى حيث الفلاح في الدنيا والآخرة , كان ولابد الهوى حيث الشقاء الأبدي .
فإن الناس على قسمين:
قسم استمعوا الى داعى الهدى سماع قبول ورضي فاستجاب وانقادت له نفسه الى فلاحه في الدنيا والآخرة
وقسم ثان أعرض فلم يستمع إلا لداعية الضلال شيطان كان أو هوى فظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار طوعاً لها تحت أوامرها.
فلابد إذن لمن أراد الفلاح لنفسه من ترويضها وتهذيبها وبتعبير القرآن الكريم –كلام الله – تزكيتها كما قال تعالى – سورة النازعات – ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى – وقال تعالى – جوابا لقسمه العظيم من بداية سورة الشمس وآخره : ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها.(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) المعنى: قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله، وقد خاب وخسر من أخفاها، وحقرها وصغرها بمعصية الله. وأصل التدسية: الإخفاء. ومنه قوله تعالى من سورة النحل ( أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ فالعاصي يدسّ نفسه بالمعصية، ويخفي مكانها، وكذلك قال تعالى فى سورة الأعلى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} أَيْ: طهَّر نَفْسَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَتَابَعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} أَيْ: أَقَامَ الصَّلَاةَ فِي أَوْقَاتِهَا؛ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَطَاعَةً لِأَمْرِ اللَّهِ وَامْتِثَالًا لِشَرْعِ اللَّهِ. ومن وسائل نجاح عملية الترويض تلك قال تعالى فى سورة النور {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) فالتزكية تكون بمخالفة الشيطان وعداوته والافتقار إلى الله تعالى وقد تعددت الأحاديث التى يستعيذ فيها رسول الله بالله العظيم من النفس كما نجدها فى أذكار الصباح والمساء .
ويبدأ القيام بهذا الترويض الواجب بمعرفة كل منا بنفسه وهو أمر لايعين عليه الا الله كما قال يوسف بن سباط رحمه الله (اللهم عرفني نفسي).وقال سهل بن عبد الله التستري الزاهد: (معرفة النفس أخفى من معرفة العدو) أي أن عيوبها تتستر وتموه أمرها كما يتستر العدو ويخادع، لكنه خفاء لا بد من اقتحامه واستجلائه إذا أردنا النفس الزكية، وتعيين مكان العلة يسبق مقص الجراح.
كما قال زاهد مكة الثقة وهيب بن الورد: (إن من صلاح نفسي: علمي بفسادها، وكفي للمؤمن من الشر أن يعرف فسادًا لا يصلحه)، وكقول حسن البصري: (لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله)ثم تكون مجاهدتها وإلزامها بدوائها وان كانت تتناوله بكره ففيه زكاتها بإذن الله كما قال الفاروق رضي الله عنه أقذعوا هذه النفوس فإنها طلاعة إلى شر غاية وأورد الآجري رحمه الله تعالى في أدب النفوس عن الحسن البصري في وصية لقمان لابنه: يا بني : لا يستقيم الدين إلا بالتطوع والكره، إن كان الإنسان كلما كره من الدين شيئا تركه، أوشك أن لا يبقي معه شيء من دين الله عز وجل، فلا تقنع لنفسك بقليل من الإيمان، ولا تقنع لها بضعيف من العمل، ولا ترخص لها في قليل من معصية الله عز وجل، ولا تعدها بشيء من استحلال الحرام، فإن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا أرخيت لها طغت، وإذا زجرتها انزجرت، وإذا عزمت عليها أطاعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت ا ه والخلاصة –لمن يريدها اختصارا للمطلوب – أن أساس تزكية النفوس هو إتباع الحق وهو الوحي بطاعة أوامر الله فيه وذلك بفعل الواجبات واجتناب المحرمات قد الاستطاعة والله الموفق .
ترويح النفس
أما عن ترويح النفس فيكون بالمباح ومنه رياضة الأبدان فالمقصد منها الرياضة الهادفة والمناسبة للحفاظ على صحة هذه الأبدان فضلا عن أنها وسيلة لتهذيب النفس كما يعلم المربون وهى فى الأصل عادة تتحول الى عبادة بالنية وحسن المقصد وقد أشار إلى أهمية الرياضة والتدريب للمهارة الجهادية رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال (أرموا بني إسماعيل فان أباكم كان راميا ) وأرشد إليها الفاروق رضي الله عنه بقوله (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) ورضي الله عن حواري رسول الله الزبير بن العوام رضى الله عنه فقد كان يأخذ ابنه عبد الله معه فى المعارك حيث الكر والفر وهو ابن ست سنين !! وللإمام ابن القيم مصنف بعنوان الفروسية نختار منه في مقالنا هذا بعض التوجيهات في فقرات منها قوله رحمه الله : ثبت عن النبي أنه سابق بالأقدام وثبت عنه أنه سابق بين الإبل وثبت عنه أنه سابق بين الخيل وثبت عنه أنه حضر نضال السهام وصار مع إحدى الطائفتين فأمسكت الأخرى وصار مع الطائفتين كلتيهما وثبت عنه أنه رمى بالقوس فأما مسابقته بالأقدام ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث عائشة قالت سابقني النبي فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال هذه بتلك وفي رواية أخرى أنهم كانوا في سفر فقال النبي لأصحابه تقدموا فتقدموا ثم قال لعائشة سابقيني فسابقها فسبقته ثم سافرت معه مرة أخرى فقال لأصحابه تقدموا ثم قال سابقيني فسابقته وسبقني فقال هذه بتلك .
– قلت ولعل قائل يقول انه من قبيل حسن الخلق مع الزوجة فان كان كذلك فأنعم بها من رياضة وعموما فقد قال الإمام بعده – وتسابق الصحابة على الأقدام بين يديه بغير رهان ففي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال بينما نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا فجعل يقول ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق فقلت أما تكرم كريما وتهاب شريفا قال لا إلا أن يكون رسول الله قال قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني أسابق الرجل فقال إن شئت فسبقته إلى المدينة
وأما مصارعته ففي سنن أبي داود عن محمد بن علي بن ركانة إن ركانة صارع النبي فصرعه النبي وهذا الحديث فيه قصة نذكرها أخبرنا شيخنا أبو الحجاج الحافظ في كتاب تهذيب الكمال قال :ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي كان من مسلمة الفتح وهو الذي صارع النبي فصرعه النبي مرتين أو ثلاثا وذلك قبل إسلامه وقيل إن ذلك كان سبب إسلامه وهو أمثل ما روى في مصارعة النبي .
وأما مسابقته بين الإبل ففي صحيح البخاري تعليقا عن أنس ابن مالك قال كانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي وكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله فقال حق على الله أن لا يرتفع شيء إلا وضعه.
وأما تناضل أصحابه بالرمي بحضرته ففي صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع قال مر النبي بنفر من أسلم ينتضلون بالسوق فقال وارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله ما لكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم فقال ارموا وأنا معكم كلكم فالفروسية فروسيتان فروسية العلم والبيان وفروسية الرمي والطعان ولما كان أصحاب النبي أكمل الخلق في الفروسيتين فتحوا القلوب بالحجة والبرهان والبلاد بالسيف والسنان وما الناس إلا هؤلاء الفريقان ومن عداهما فإن لم يكن ردءا وعونا لهما فهو كل على نوع الإنسان وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بجدال الكفار والمنافقين وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين فعلم الجدال والجلاد من أهم العلوم وأنفعها للعباد في المعاش والمعاد ولا يعدل مداد العلماء إلا دم الشهداء والرفعة وعلو المنزلة في الدارين إنما هي لهاتين الطائفتين وسائر الناس رعية لهما منقادون لرؤسائهما كان رسول الله أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فركب فرسا لأبي طلحة عريا فخرج الناس فإذا هم برسول الله قد سبقهم إلى الصوت قد إستبرأ الخبر وهو يقول لن تراعوا وقال النبي وجدناه بحرا ا ه.
والمتأمل فى أصول شريعتنا الغراء يجد أن الرياضة على وجه العموم ثلاثة أوجه :-
الوجه الأول مأمور به ومندوب وهو من قبيل ما سبق ذكره من كلام ابن القيم رحمه الله وغيره من الرمى بأنواعه والمهارة فى قيادة وسائل القتال بكافة أنواعها وركوب البحر وما يتطلبه وما سبقه من الإعداد البدني بالتدريب الجاد .
الوجه الثاني ما حرمه الشارع لذاته أو باعتبار ما أدى إليه وان سماه الناس رياضة وقالوا بنفعه وما أظن أن به منفعة من قريب أو بعيد كلعب أو أو ما يسمى زورا رياضة النساء التى نسمع عنها وتعرض على الفضائيات من قبل الصهاينة ليراها المسلمون فى محاولات آثمة ماكرة لافساد الفطرة لدى اللاعبة والمشاهد كخطة من مخططات تدمير الأمة ودينها ليس لها علاقة بالرياضة الانسانية قطعا ويضاف اليها فى المنع مانص الدليل على تحريمه على المسلمين كلعب الطاولة والقمار وغيرها وتأمل قرن الميسر بشرب الخمر فى قوله تعالى بسورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) قال صاحب الكبائر رحمه الله في الكبيرة العشرين و الميسر هو القمار بأي نوع كان : نرد أو شطرنج – وبالنسبة للعب بالنرد و الشطرنج إذا خليا عن رهن اتفقوا على تحريم اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه ] أخرجه مسلم وأما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره ومباح في رواية عن الشافعي : إذا كان في خلوة و لم يشغل عن واجب ولا عن صلاة في وقتها.
أما الوجه الثالث من الرياضة فهو ما سكت عنه الشارع مما استحدث من أنواعها فيحرم أو يباح أو يندب اليه باعتبار ما أدى إليه
ومن لله تعالى وحده الهداية والسداد.