الحمد لله الذي أحسن كل شئ خلقه ثم هدى والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبى الهدى ورسول الله المرتضى وآله وصحابته والتابعين الذين اصطفى .أما بعد
فمرادى في هذه المقالة بالزينة تلك التي تتزين بها النساء المسلمات مؤكدا على أن المقصود بهذه المقالة الأخت المسلمة التي رضيت على الحقيقة بالله ربا وبالإسلام دينا ومنهجا لحياتها وبسيدنا محمد نبيا ورسولا أما النساء اللاتي اخترن – عن علم أو جهل غير معذور- عبادة الهوى والتمرد على فطرتهن الإنسانية فلهن حديث آخر فى غير هذه النافذة الخاصة بمخاطبة المسلمين والدعاة إلى الله كما علمنا عنها من قبل , فالزينة عندنا كمسلمين فى الأصل هي ستر العورة ومع الستر التجمل والشاهد قول الله تعالى فى سورة الأعراف :{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الآية 26} وانظروا معي إلى أمر الله تعالى بالزينة فى نفس السورة بقوله تعالى { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) } هذه الآية الكريمة ردٌّ على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عُراة، كما رواه مسلم والزينة: اللباس، وهو ما يوارى السوأة، وما سوى ذلك من جَيّد البزِّ والمتاع -فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد. والزينة إذا سمعتها تنصرف إلى تجميل فوق قوام الشيء هذا يعني أن يذهب المسلم إلى المسجد بأفخر ما عنده من ملابس ،إذن يمكن أن يكون المقصود ب { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } هو رد على حالة خاصة وهو أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، وأن المراد بالزينة هنا هو ستر العورة .
أو المراد بالزينة ما فوق ضروريات الستر ، أو إذا كان المراد بها اللباس الطيب الجميل النظيف – وحب الزينة فطرة عند المرأة فينشأ الميل لها مع الطفولة كما قال تعالى فى سورة الزخرف عن البنات: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } فالأنثى ناقصة الظاهر فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، كما قال بعض شعراء العرب:
وَمَا الحَلْي إلا زينَةٌ من نقيصةٍ يتمّمُ من حُسْن إذا الحُسْن قَصَّرا وأمَّا إذَا كان الجمالُ موفَّرا كحُسْنك، لم يَحْتَجْ إلى أن يزَوَّرا – وقول الآخر (يابنتى ان أردت آية حسن وجمال يزين جسما وعقلا فانبذي آية التبرج نبذا فجمال النفوس أزهى وأبهى يزرع الزارعون وردا ووردة الروض لا تضارع شكلا .
ومع علمنا بهذه الحقيقة وهى الميل الفطري إلى التزين عند النساء إلا أن المسلمة بمقتضى إسلامها لله تضبط هذا الميل بضابطين جاء بهما منهج الله فى شريعته السمحة يجمل بهما باطنها بما تتزين به وإلا كانت زينتها قذارة لباطنها ولظاهرها أحيانا ويمكن التذكير بهما فى إيجاز على النحو التالي : – أولا: ألا تتزين المسلمة أبدا إلا لزوجها وبنات جنسها ودينها .
ثانيا: تتجنب من الزينة ما نهى الله سبحانه وتعالى وهو الحكيم العليم ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه .
فكما نعلم أن الزينة في أصلها من العادات والقاعدة الفقهية الكلية أن ( الأصل في العبادات المنع إلا بنص والأصل في العادات الإباحة إلا بنص ) وشاهدنا في الشطر الثاني من القاعدة وهذه هي خلاصة الأمر ولا غرابة فيه فقد تكون الزوجة أحيانا والولد من الأعداء لرب الأسرة مع أنهما من زهرة الدنيا الجميلة وزينتها المباحة في الأساس كما بين الله تعالى ذلك في سورة التغابن ! والدليل على هذه الخلاصة -الضابطين- من الكتاب والسنة تستمع إليه المسلمة بشوق وانتباه وقبول لأنها تميل بفطرتها الى محبة الله تعالى .
إذن عندما يقال لها لمن تتزينين من حيث المبدأ ؟ بالطبع ان كانت فتاة بكر ستقول لغيرى من الفتيات حتى أظهر لهن جمالي فيقال لها لابأس بشرط التواجد فى أماكن الفتيات والنساء الخاصة بهن وحدهن واحرصي على أن لايراك أجنبي (غير محرم ) وإلا كانت زينتك كبيرة من الكبائر وكنت حبلا من حبال الشيطان وعونا له على أخوانك المسلمين وضعي فى الحسبان قوله صلى الله عليه وسلم (ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا ) مع قوله تعالى من سورة النور ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
وفي الصحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والجلوس على الطرقات”. قالوا: يا رسول الله، لا بد لنا من مجالسنا، نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أبيتم، فأعطوا الطريق حقَّه”. قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: “غَضُّ البصر، وكَفُّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر”وفي الصحيح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُتِبَ على ابن آدم حَظّه من الزنى، أدرَكَ ذلك لا محالة. فَزنى العينين: النظر. وزنى اللسان: النطقُ. وزنى الأذنين: الاستماع. وزنى اليدين: البطش. وزنى الرجلين: الخطى. والنفس تمَنّى وتشتهي، والفرج يُصَدِّق ذلك أو يُكذبه”. ويروى عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه .
-ثالثا : أما عن توجيه الشريعة لنا الى ماتتزينى به أيتها الأخت المسلمة فبداية لتكن تقوى الله زينتك المعنوية لقوله تعالى ( ولباس التقوى ذلك خير ) ومن ثم تكون ابتسامة الرضي عن الحياة والأهل والزوج كذلك من أجمل الزينة , والزينة المادية تكون بما ترينه يزيد من جمالك مع تجنب ما جاء النهى عنه فى الكتاب والسنة وحاصله ما كان منه تغيير الخلقة الربانية كما جاء مفهوما فى قول الله تعالى من سورة النساء عن الشيطان (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) وما جاء صريحا فى دلالته من السنة كما روى الإمام البخاري بسنده عن ابن مسعود رضى الله عنهأنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشِمات، والنامصات والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجات للحُسْن المغيّرات خَلْقَ الله، عز وجل، ثم قال (كما رواية مسلم لما أنكرت عليه امرأة تسمى أم يعقوب أن ذلك فى القرآن الكريم ): ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، عز وجل، يعني قوله: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وبالطبع تتجنب من الزينة ما كان فيه ضرر على المدى البعيد للحديث المقبول (لا ضرر ولا ضرار , وهناك ملاحظة مهمة ألفت انتباه الزوجة المسلمة إليها وهى مراعاة رغبة الزوج فى دائرة المباح من الزينة فلتتجنب منها أيضا ما لايرغب فيه الزوج فهي له في الأصل -وعن نفسى كزوج وأب لا أحب من زوجتى وكذا ابنتى الا أن تكون أمام عينى طبيعية كما خلقها الله – والله أعلم .